شهدت منطقة أم صميمة بولاية شمال كردفان، في الثالث عشر من يوليو الجاري، معركة وُصفت بالمهمة عسكريًا في إطار المواجهات المستمرة بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع، ضمن ما يعرف بمحور كردفان. وتمكنت القوة المشتركة، وهي تحالف عسكري يضم فصائل من حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا وتعمل بالتنسيق مع الجيش السوداني، من تحقيق تقدم ميداني في المنطقة و هزيمة مليشيا الدعم السريع و تدمير معظم القوة و ملاحقة المتبقي منها حتى حدود الخوي ، مما اعتبره مراقبون تحولاً ميدانيًا ذات دلالات استراتيجية في منطقة تقع غرب الأبيض و تعتبر اهم خطوط الدفاع عن مدينة الأبيض .
القوة المشتركة، التي برز دورها خلال الشهور الأخيرة في عمليات دارفور وشمال و غرب كردفان، عززت وجودها بالتنسيق مع القوات المسلحة، معتمدة على خبراتها السابقة في قتال الصحراء خلال سنوات الحرب في دارفور. وقد نجحت في استعادة بعض المواقع المهمة، وشكلت ضغطًا على تمركزات الدعم السريع في شمال كردفان، لا سيما في المناطق الريفية التي كانت تمثل حاضنة لتحركات المليشيا.
في ذات المعركة، أعلنت القوات المسلحة استشهاد العقيد ركن مهلب أحمد محمود، قائد شعبة التدريب بالفرقة الخامسة مشاة، وهو من خريجي الدفعة 46 بالكلية الحربية، وكان يشرف على تدريب وحدات المقاومة الشعبية بولاية شمال كردفان. ويعد العقيد مهلب من الضباط الذين تولوا مسؤوليات ميدانية مباشرة خلال الأشهر الأخيرة، خاصة في تعزيز التنسيق بين الجيش والمجموعات الشعبية المناهضة للدعم السريع.
كما فقدت القوة المشتركة أحد أبرز قياداتها خلال معركة أم صميمة، وهو الجنرال الطاهر عرجة، قائد قطاع كردفان بحركة العدل والمساواة وعضو غرفة القيادة والسيطرة التابعة للقوة المشتركة في الإقليم. ولعب عرجة دورًا محوريًا في إدارة العمليات خلال الفترة الماضية، وشارك في عدة محاور عسكرية في ولايتي الجزيرة وشمال كردفان، قبل أن يُستشهد خلال قيادته للعمليات المباشرة في أم صميمة.
بموازاة ذلك، شهدت مناطق متفرقة من ولاية شمال كردفان، خاصة بارا والقرى المحيطة بها، موجة نزوح واسعة نتيجة تصاعد الهجمات التي تنفذها مليشيا الدعم السريع. وقالت مصادر محلية إن المليشيا ارتكبت يوم الأحد مجزرة في قرية حلة حامد، راح ضحيتها 46 شخصًا، بينهم 5 نساء، تم دفنهم في مقابر جماعية تحت ظروف ميدانية قاسية، وسط صمت دولي إزاء تصاعد الانتهاكات ضد المدنيين.
تأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه محور كردفان تصاعدًا في العمليات العسكرية، مع استمرار تمدد مليشيا الدعم السريع باتجاه مناطق جديدة، في محاولة لإعادة توسيع نفوذها بعد فقدان مواقع استراتيجية، أبرزها العاصمة الخرطوم. ويواصل الجيش جهوده لتأمين المدن والممرات الحيوية في الإقليم، من خلال تكثيف عملياته البرية والجوية، وتنسيق التحركات مع تشكيلات القوة المشتركة، وسط تعقيدات ميدانية متزايدة على الأرض .
ورغم التقدم العسكري النسبي في أم صميمة، إلا أن المشهد السياسي لا يزال يراوح مكانه. فقد مضى أكثر من ٤٥ يومًا على تكليف الدكتور كامل إدريس بتشكيل حكومة مدنية مؤقتة في بورتسودان، دون إعلان تشكيل كامل للحكومة. واقتصر الإعلان حتى الآن على تسمية عدد محدود من الوزراء، فيما تستمر مشاورات غير معلنة وسط غياب واضح للرؤية السياسية الجامعة.
ويرى متابعون أن تأخير تشكيل الحكومة ينعكس سلبًا على الدعم السياسي للعمل العسكري الجاري في الميدان، ويزيد من حالة الترقب لدى الرأي العام. كما أن غياب الحكومة المدنية يُضعف من قدرة السلطة الانتقالية على التفاوض أو التعامل مع المجتمع الدولي، ويكرّس حالة الفراغ المؤسسي.
وفي ظل المعارك الجارية في كردفان ودارفور، تبقى مليشيا الدعم السريع قادرة على المناورة، مستفيدة من قدرتها على الحركة والتمويل، وتستمر في شن هجمات في مناطق متفرقة، رغم خسارتها لمواقع استراتيجية في الأشهر الأخيرة. ومع هذا، لا تزال تحتفظ بوجود فاعل في دارفور فيما عدا الفاشر عاصمة الإقليم التي تقاوم حصاراً خانقاً منذ عام.
من جهة أخرى، تشير مصادر محلية في شمال كردفان إلى أن مليشيا الدعم السريع كثّفت من نشاطها في الأطراف والقرى الريفية خلال الأسابيع الماضية، مما يطرح تحديًا إضافيًا أمام القوات المسلحة في السيطرة على المساحات المفتوحة.
ويرى محللون أن معركة أم صميمة قد تمثل نقطة تحوّل ميدانية في حال استُثمرت عسكريًا وسياسيًا، خاصة إذا ما تم تسريع تشكيل الحكومة الانتقالية، وتعزيز الجبهة الداخلية عبر خطاب موحد وبرنامج واضح لإدارة الفترة المقبلة. إلا أن غياب القيادة السياسية المدنية عن المشهد، واستمرار الجمود في بورتسودان، يطرح تساؤلات جدّية حول قدرة الدولة على تحويل المكاسب العسكرية إلى مكاسب سياسية طويلة المدى.
