حسين بَقَيرة – المملكة المتحدة
تُعد مليشيا الد_عم السر_يع الإرهابية، بقياداتها وعناصرها والمتعاونين معها، من أسوأ ما شهدته الأرض السودانية عبر تاريخ الدولة منذ نشأتها. فهذه المليشيا، المجردة من أي مشاعر إنسانية، تنفذ أبشع الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين، من شيوخ ونساء وأطفال، في مختلف أنحاء السودان، منذ اندلاع هذه الحرب اللعينة في 15 أبريل 2023. لقد كادت هذه الجماعة الارهابية أن تمحو اسم السودان من خريطة العالم، مستعينة بالمرتزقة عابرة للقارات وكل أساليب الإجرام لتقويض الوطن.
لكن إرادة الله كانت فوق كل تدبير، فوهب السودان وشعبه “القوة المشتركة” من حركات الكفاح المسلح، التي اختارت الانحياز للوطن، لتصبح أحد الأعمدة التي ساهمت في بقاء السودان موحدًا من بين الأنقاض. وعلى الرغم من أنها خاضت معارك طويلة ضد القوات المسلحة لأكثر من عقدين، فإنها عندما شعرت بالخطر الوجودي الذي يهدد الدولة، قدّمت بوعيٍ وطنيّ مصلحة الوطن على كل شيء، مؤجلة مطالبها السابقة ضمن ترتيب الأولويات الوطنية.
هؤلاء الشباب الذين يقاتلون اليوم ببسالة في الصحارى، والغابات، والمدن، والوديان، والجبال، فعلوا ذلك عن قناعة راسخة ونضالٍ فطري، مدفوعين بإيمان عميق بقضيتهم التي أرجئوها حين دعاهم الوطن. فهم مقاتلون أصحاب خبرة عسكرية عالية، وتدريب دائم في أقسى الظروف، ما يجعلهم يسطرون ملاحم من البطولة في كل ميدان.
سجّلوا حضورهم الباهر في أكثر من 208 معركة في مدينة الفاشر وحدها، حققوا فيها النصر، ودمّروا صفوف المليشيا، حتى لقّبت المدينة بـ”الفاشر مقبرة الجنجويد”، بسبب هلاك الآلاف من الجنجويد المرتزقة وقادتهم. وردًا على تلك الهزائم، ارتكبت المليشيا مجازر مروعة في معسكر زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر بين 11 و13 أبريل 2025، فيما عُرف بـ”مذابح زمزم”، وقد تم توثيقها ورفعها للجهات الدولية، لمحاسبة الجناة، وعلى رأسهم قيادات مليشيا الجنجويد التي تنتظر المحاكمة أمام العدالة الدولية، عاجلاً أم آجلاً.
وامتدت بطولات القوة المشتركة إلى معارك اخري مثل: مدو (1 و2)، دريشقي، زرق “هاي مي”، مالحة، الجزيرة، سنار، مصافاة الجيلي، العاصمة الخرطوم (بحري وأم درمان)، إلى جانب معركة فك الحصار عن الأبيض شمال كردفان، وأحدثها معارك الخوي البطولية، والحمادي.
معركة الخوي، واحدة من أعظم المعارك في تاريخ السودان الحديث، وتستحق أن تُدرّس في أرقى الكليات العسكرية العالمية من حيث التخطيط والتنفيذ والصمود. فقد دارت رحاها أيام 11 ، 13 و 14 مايو 2025، حيث كان اليوم الأول حاسمًا بتحرير المدينة من قبضة مليشيا الد_عم السر_يع. وفي اليوم الثاني، وهو الأطول والأشد ( 9 ساعات )، حاولت المليشيا استعادة المدينة، لكنها وقعت في فخ تكتيكي عسكري ذكي عُرف بـ”فتح الصندوق ثلاثي الأبعاد”، نتج عنه تدمير تام لثلاث متحركات معادية.
أما اليوم الثالث، فشهد محاولة يائسة من المليشيا لسحب جثث قادتها وجنودها، لكن الهجوم انقلب إلى هزيمة ساحقة، حيث لقي المهاجمون أنفسهم مصرعهم، ليتم دفنهم لاحقًا على يد أهالي مدينة الخوي والجيش. تشير التقديرات إلى سقوط أكثر من ألف هالك من صفوف مليشيا الجنجويد، إلى جانب مئات الجرحى والأسرى، مع الاستيلاء على معدات حربية وآليات عسكرية و سيارات مصفحة.
لقد كانت معركة الخوي نقطة تحوّل استراتيجية، حطمت ما تبقى من هيبة المليشيا، وأعادت التوازن لصالح القوات الوطنية، لتُسجَّل كأكبر معركة منذ اندلاع الحرب.
القوة المشتركة ليست مجرد تشكيل عسكري، بل مدرسة قائمة على الإيمان بالله، ثم بالقضية، وتستند إلى حب الوطن، وتزن الأمور بالعدالة والحرية، وتقدّس الوحدة الوطنية. مقاتلوها أقسموا على أن يكونوا فداءً لأرض السودان، مدافعين عن الأبرياء من بطش الجنجويد وأعوانهم، حتى لو كلّفهم ذلك حياتهم.
التحية والتقدير للفريق فيصل معلا، رئيس هيئة أركان القوة المشتركة، وأحد ألمع رموز هذه المدرسة العسكرية الوطنية. قائد بحجم الوطن، تولّى قيادة معركة الخوي ميدانيًا على مدار ثلاثة أيام، مشاركًا في التخطيط والتنفيذ جنبًا إلى جنب مع رفاقه الشجعان. وهو من القلائل الذين لم يغادروا ساحات القتال، بل ظلّ ثابتًا في الخطوط الأمامية، يشهد له التاريخ بالشجاعة، والوفاء، والإخلاص، وقد شكّل ركيزة أساسية في تثبيت أركان الدولة السودانية في مواجهة العاصفة.
كما نرسل التحية للفريق عبد الله جنا، قائد عمليات القوة المشتركة، الذي اقترن اسمه بالانتصارات وروح الوحدة الوطنية. محبوبٌ بين زملائه، لا يتردد في خوض المعارك إلى جانبهم، ويُعدّ مكسبًا وطنيًا مهمًا للقيادة العسكرية، ورمزًا للشجاعة والانضباط.
ومن خلالهما، نُوجّه التحية إلى جميع قادة القوة المشتركة، وأبطال الوحدات العسكرية المختلفة، وجنودهم البواسل. واصلوا التقدم، فأنتم في طريق النصر، وبإذن الله، سيكون النصر حليفكم.
هنيئًا للسودان بشبابه الشجعان، وهنيئًا للجيش السوداني بالقوة المشتركة التي خرجت من رحم الشعب، فصارت درعًا متقدمًا لحماية الوطن من التشظي والدمار. وقد آن الأوان لأن تُدمج هذه القوة كركيزة أساسية ضمن القوات المسلحة السودانية، لتسهم في بناء جيش وطني حديث، بعقيدة قتالية صلبة وشاملة، لا تعرف التمييز، حين تلتقي مياه النيل برمال الصحراء، وتتوحد وديان وادي هور، وجبال التاكا، وجبل مرة، وكردفان الغرّة، وجبال النوبة، وجبل البركل. عندها فقط، يولد جيش بصلابة الجبال وشموخها، ويصبح الوطن في حجم تطلعات شعبٍ لم يتردد يومًا في الوقوف خلف قواته المسلحة. كما يجب أن تُستثمر التجربة القاسية لهذه الحرب في بناء دولة قوية، موحّدة، عادلة، تحترم تنوّعها، وتُحصّن نفسها من أي مؤامرة مستقبلية.
إن الفاتورة المدفوعة، من دماء الشهداء، والمعاناة الطويلة، كفيلة بأن تفتح لنا الطريق نحو هوية سودانوبة جامعة، لا تقصي أحدًا، وتبني على التضحيات طريقًا نحو الحرية والكرامة.
لقد اقترب فجر الخلاص من براثن الجنجويد، وها هي الأسود تزحف من كردفان لتحرير النهود، وفك حصار الفاشر، وتحرير نيالا، والضعين، وزالنجي، والجنينة. إنها مسألة وقت فقط، ومهما طال ليل الظلم، فإن شمس الحق لا بد أن تشرق.
