حسن تابت مطر – كاتب
في كل مرحلة من مراحل التحول السياسي والاجتماعي في السودان، تفرز الساحة شخصيات غريبة عن مسارات النضال، طارئة على الفعل الوطني، لا تُعرف بتاريخ، ولا تُبنى على مشروع. هؤلاء هم ما يمكن أن نطلق عليهم “إفرازات المجتمع الجاكومي” مجتمع السلطة الزائفة، والسطحية السياسية، والنفخ الإعلامي دون محتوى حقيقي.
واحد من أبرز هذه النماذج هو رجل لم نسمع باسمه طيلة سنوات النضال ضد نظام الإنقاذ، لم يكن له وجود في التجمع الوطني الديمقراطي، ولا عرفناه خلال مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية، غاب عن مشهد مشروع السودان الجديد في كاودا، ولم يظهر في مشروع التحرير العريض لحركة تحرير السودان، ولا بين طلائع ثورة ديسمبر المجيدة التي هزت أركان الاستبداد.
كل من حمل قضية حقيقية، كل من تجرّع مرارة التهميش، ودفع الثمن من حريته أو دمه، يعرف جيدًا محطات النضال، يعرف وجوه الشهداء، ويعرف كيف تصاغ المشاريع السياسية، لا كيف تُصنع المجد الزائف في صالات الاحتفالات.
هذا الرجل لم يُرَ إلا في محافل المؤتمر الوطني الرياضية، داخل الأندية، لا في خنادق الثورة. وحين بدأت مفاوضات جوبا، ظهر فجأة مثل “النبت الشيطاني”، لا على أساس موقف، بل عبر تسوية سياسية فضفاضة، استغل فيها انتماءه الجغرافي ليكون ممثلًا لـ”مسار الشمال”، وهو لا يعرف حتى مشاكل الشمال، ناهيك عن فهمه لتركيبته السياسية والاجتماعية. اهتمامه ينحصر في مشكلات الآنية الرياضية، لا في قضايا الأرض والتنمية والعدالة الاجتماعية.
لقد تم تصنيع هذا الرجل بواسطة جهة محددة، دفعت به إلى واجهة المشهد بوسائل مشبوهة، فأصبح يحتكر العنف، ويبث الفتن، ويزايد على تضحيات الآخرين، وهو في الحقيقة لا يملك أدنى علاقة بنضالات الشعب السوداني. لا يعرف ما هو الهامش، ولا يفهم ما الذي دمر هذا الوطن. لكنه بارع في صناعة الضوضاء، وتقديم نفسه كفاعل سياسي، وهو في الواقع أقرب إلى ظاهرة صوتية بلا مضمون.
إن أخطر ما أنتجه الواقع السوداني ما بعد الإنقاذ، ليس فقط الفراغ السياسي، بل تسلل مثل هذه الشخصيات إلى صدارة المشهد. وهم لا يمثلون قضايا حقيقية، بل يفرغون السياسة من جوهرها، ويستبدلون النضال بالأداء المسرحي، والمبدأ بالمصلحة.
إفرازات المجتمع الجاكومي هي جرس إنذار لكل من يهمه أمر هذا الوطن: إما أن تُعاد صياغة العملية السياسية على أساس الكفاءة والتاريخ والوضوح الأخلاقي، أو أن نسمح لأشباه السياسيين أن يختطفوا الحاضر والمستقبل.
