بقلم :فتح الرحمن يوسف سيد أحمد

أصبح السودانيون لا يسألون الأسئلة المهمة في حياتهم السياسية والإجتماعية علي شاكلة لماذا يتكرر فشل النخب السياسية والعسكرية في إدارة الدولة السودانية والوصول بها الي مصاف الدول المتقدمة خاصة وأن السودان تتوفر فيه الموارد المادية والبشرية؟ لماذا تتكرر الصراعات القبلية ؟ لماذا نحن قوم غير منتجين وماهي مشكلات الإنتاج لدينا؟ توقفوا عن طرح الأسئلة الكبري والمهمة لأن الإجابات دائما ليست حاضرة كما ينبغي فالنخبة المنوط بها إيجاد إجابات لتلك الأسئلة معطوبة هيكليا وبرامجيا إن وجدت برامج وغير راشدة في اتخاذ مواقفها السياسية وهذا يعود إلي الطبيعة النرجسية والتعالي علي هذا الشعب وقلة الخبرة والوعي السياسي والإجتماعي أحيانا وعدم القدرة علي قراءة المستقبل والتخطيط لمواجهة تحدياته والاستفادة من تجارب الماضي وتجنب تكرار أخطاء الممارسة السياسية.

ولأن النخب السياسية لا تقيم وزنا لهذا الشعب ولا تلقي له بالا تحرص علي تغييبه بشتي الطرق والوسائل ،منها علي سبيل المثال الإستطالة المتعمدة للفترة الإنتقالية وتقليل فرص نجاحها لغرض فرض الرؤي الحزبية خلالها ومحاولة حصر حق إدارتها لفئة معينة.
بعد ثورة ديسمبر مثلا كان ينبغي أن تدار الفترة الانتقالية بحكومة كفاءات مستقلة (تكنوقراط) ولكن قامت قوي الحرية والتغيير بعمل أول إنقلاب علي الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية وأضافت مادة أخري جوزت عمل حكومة الكفاءات الحزبية عوضا عن الكفاءات المستقلة ليتم حل حكومة حمدوك الأولي وتعويضها بحكومة من أحزاب الحرية والتغيير وهذا إنقلاب واضح وخرق كبير لأعراف الفترات الإنتقالية التي يجب أن تديرها كفاءات مستقلة وأن تذهب الأحزاب لتهيئة أوضاعها للإنتخابات .

ولأن النوايا السيئة كانت مبيتة فقد فضحتها الأقوال ففي لقاء جماهيري ذكر حميدتي حليف اليوم لقحت أنهم أخبروه برغبتهم في أن تكون الفترة الانتقالية ١٠سنوات ولم يرد علي حديثه هذا أحدا من قوي الحرية والتغيير ، وقبل أن نستفيق من تلك الفضيحة انتشر فيديو لخالد سلك يؤكد حديث حميدتي.

المثال الآخر للإستهزاء والتغييب المتعمد لإرادة الشعب هو تعدد نسخ الاتفاقيات بين العسكر وقوي الحرية والتغيير حيث برز الي السطح مايعرف باتفاقيات تحت الطربيزه بدأ الأمر بالوثيقة الدستورية وانتهي بالاتفاق الإطاري الذي فضحهم أيضا فيه حليفهم الحالي الجنرال حميدتي
ثم أكدت بعض قيادات قحت حديث حميدتي وكأنه أمرا عاديا دون خجل ودون إحترام لإرادة الشعب.الأسوأ من تغييب إرادة الشعب من قبل قحت هو محاولات خداعه المستمرة فقد قالوا في خطاباتهم التي تبشر بالاتفاق الإطاري علي لسان أحد عرابيهم وهو محمد الفكي والذي قال أن إتفاقهم سيأتي بالمدنية والعدالة وحقوق الشهداء ومحاكمة المجرمين ليأتي البرهان ويتحدث عن اتفاق تحت الطربيزة الذي كفل لهم الإفلات من المحاسبة ولم يأتي (ود مقنعه) ليرد حديث البرهان بل جاء محمد الفكي نفسه ليؤكد أن اتفاقهم رغم تحقيقه لمكاسب المدنية وحقوق الشهداء إلا إنه لم يتيح لنا إبعاد حميدتي والبرهان ومحاكمتهما، وعلي فكرة فإن وثيقة المحامين في بند الحصانة يمنح البرهان وحميدتي عدم المساءلة باعتبارهما قادة للأجهزة النظامية ،ومن باب الذكاء علي هذا الشعب أن يفهم تهافت حميدتي وإصراره علي تنفيذ الإتفاق الإطاري وذلك لأن فيه نجاته وضمان عدم المساءلة إذ ليس من المعقول أن يسعي ويسارع حميدتي إلي حتفه وهو يعلم .

الكذبة الأخرى والمكشوفة هي تسويق قحت مقولة أن المجتمع الدولي سيتنزل علي السودان بالخيرات في حال تم التوقيع علي الإتفاق الإطاري وتم تكوين الحكومة بموجبه ونسوا أن ذاكرتنا لا تزال تذكر حكومة حمدوك فبدل أن يدفع لها المجتمع الدولي كما وعد أخذ منها مبلغ ٣٥٠ مليون دولار من قوت الشعب كتعويض لضحايا أمريكيين في جرم ليس للشعب فيه يد .
وعلي الرغم من أن حكومة حمدوك كانت ذات قاعدة أكبر من قلة قحت المركزية الحالية فإن عدم الاستقرار الأمني والإقتصادي ظل ملازما لها وذات المجتمع الدولي ظل متفرجا.
إن أي حكومة تنشأ عن الإتفاق الإطاري وتكونها تلك القلة من الأحزاب فإنها ستفشل لا محالة حتي وإن ساندها المجتمع الدولي، لذلك كان من باب أولي لقحت أن تترك التشبث بثوب فولكر والرباعية وغيرهم وأن تتواضع وتمضي في سبيل خلق قاعدة عريضة من التوافق والتراضي تسند الحكومة القادمة بدل توسيع فرص الفشل وخلق عداوات مع الآخرين .

قحت سيلت كل المصطلحات فمصطلح الفلول الذي يطلقه قادتها علي الكتلة الديمقراطية وبعض عضويتها لم يمنعهم من ضم وزير اتصالات البشير ولا مساعده ولا عضوية برلمانه.
كل المعايير اختلت عند قحت وحولت التنافس السياسي الي صراع ولأنها تحتمي بالأجنبي تستأسد علي الآخرين وتصنفهم كما تشاء فأصبحت تقبل من تريد وترفض من لا تريد دون أي منطق عقلاني في فترة كان يجب أن يتواضع فيها الجميع ويجلسوا علي طاولة واحدة لعمل برنامج حد أدني يجد قدر أعلي من الرضي والتوافق لإدارة فترة إنتقالية مستقرة تعبر بالبلاد الي إنتخابات حرة ونزيهة.

إن حركتي العدل والمساواة وجيش تحرير السودان علي رغم من أن الإتفاق الإطاري ضمن لهم كل ماجاء في اتفاق جوبا دون مساس بأي بند من بنوده إلا أن موقفهم الرافض للإتفاق الإطاري الإقصائي هذا الموقف الداعي لتوسيع قاعدة المشاركة وتوسيع حالة الرضي لضمان إستقرار الفترة الإنتقالية وحكومتها القادمة هو موقف وطني حكيم وراشد استفاد أصحابه من عبر التاريخ السياسي القريب والبعيد .
إن الخطوات المتسرعة التي تقوم بها قحت المركزي فيها تهور وقلة حكمة وضيق صدر بالآخرين وستزيد بلا شك حدة الصراع السياسي وتضع البلاد في وضع إقتصادي واجتماعي حرج وتوفر مبررات جديدة لإجراءات عسكرية قادمة.

لا حالة ثورية الآن تميز مكون سياسي عن غيره ولا شرعية دستورية تمكن طرف من الإستئثار بالشأن الوطني دون الآخرين ،فعلي قوي الإتفاق الإطاري إما اعتباره واحد من المبادرات الأخري التي يجب طرحها مجتمعة في طاولة جامعة للنقاش والتداول وصولا لاتفاق أشمل أطرافا وموضوعا أو العودة إلي هذا الشعب فهو وحده من يملك الشرعية بعد كل هذه السنوات من الفوضي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *